كوكالة اتصالاتٍ وإعلانات، يصعب حقًا تعداد المرات التي أخبرنا فيها العميل بأنه لا ينوي مجاراتنا فيما نخطط له، وهو لا يشير لأسلوبنا في التعامل مع موجزٍ أو عرض تقديمي، بل يعني طريقتنا في إدارة عملية تخطيط الخدمات بالكامل! هل من الجيد سماع هذا؟ بالتأكيد لا، ولكن؟ إن أمعنّا النظر لمقصده من وراء تلك الكلمات وفهمنا أسبابه حقًا، سيصبح الأمر منطقيًا.. ولعلي -عبر هذه المقالة- أمهّد طريقك وأمد يد العون لتتجنب تعليقات كهذه.
في عصرنا الحالي، تحولت خدمات العلامات التجارية والتسويق والاتصالات إلى محور تركيز معظم المنظمات، بل وركيزة أساسية تستند عليها، وخاصة في القطاعين العام وشبه العام، وعلى الرغم من التنامي المستمر للصناعات في المملكة العربية السعودية، إلا أن الاهتمام كان دائمًا منصبًا على القطاع الخاص، وإن كنت تتساءل عمّا اختلف، فدعني أخبرك أن هذا التغير كان نتيجة حتمية للسعي وراء تحقيق رؤية 2030 والتي صنعت تحولاً شاملاً في الوطن، وكانت بلا شك الدافع والمحرك الأول نحو تأثير إيجابي اجتماعيًا واقتصاديًا.
وكنتيجة طبيعية لهذا التحوّل؛ تولدت حاجة ملحة لعلامات تجارية جيدة وخدمات تسويق واتصال يُعتمد عليها، وهي مكونات أساسية لخلق حلقة وصل بين المنظمات والأفراد، وهكذا ولأول مرةٍ في تاريخنا الوطني، تخطى القطاع العام وتيرة القطاع الخاص من حيث الحاجة للخدمات السابق ذكرها، إضافةً لتضخم الطلبات نظرًا لحجم مشروعاته وحساسية دوره على الصعيد الوطني.
وينبغي أن أشير هنا إلى أن القطاع العام أكثر حساسية للقوانين والبروتوكولات من أي قطاع آخر، وذلك لدوره الاقتصادي والسياسي البارز على المستوى الوطني والدولي، وهذا ما جعل العمل مع هذا القطاع محدودًا ومعقدًا نظرًا لمستوى الحوكمة المفروض من قِبل مكتب إدارة التعاقد والمشاريع في القطاعات العامة وشبه العامة، وذلك لضمان مستوىً عادل من النزاهة في تقديم الخدمات، إضافة لاحتفاظه بحق الوكالة في إكمال المشروع والدفع، والتخفيف من تضارب المصالح، ولا يبدو أن هناك بوادر لتغير الحال قريبًا.
ولذا، فهناك حاجة لاتباع بروتوكول مختلف وخاص من جانب الوكالة، ما يعني بداية عهدٍ جديد لقسم “خدمة العملاء/ تجربة العملاء” من خلال دمجه بقسم “إدارة المشاريع” لضمان إدارة تلائم احتياج العملاء وتعاونٍ سلس بينهما.
وفي حين أن قسم “خدمة العملاء/ تجربة العملاء” مسؤول عن الدور الاستشاري مع العميل وتطوير العلاقة معه بالكامل، فإن قسم “إدارة المشاريع” مسؤول بشكلٍ أساسي عن التخطيط للمشاريع على المدى الطويل من ناحية توفير الموارد وتحصيل الفواتير ومراجعة المخرجات مقابل المدخلات ومتابعة الجداول الزمنية، بمعنىً آخر، يعتبر مسؤولاً عن حفظ الكفاءة والمعايير العامة المشتركة بين العميل والوكالة، وذلك بالعمل ضمن نطاقات محددة وأهداف معلومة.
وصحيح كذلك أن “خدمة العملاء / تجربة العملاء” تدير العلاقات بين الطرفين باستمرار، إلا أن “إدارة المشاريع” تضع لها حدودًا وتلزمها بالعمل ضمنها بما يتماشى مع المعايير العامة وشبه العامة، وبينما تمثل “خدمة العملاء” لدى الوكالة فريق التسويق التابع للعميل، تمثل “إدارة المشاريع” لدى الوكالة فريق إدارة العقود والمشاريع التابع للعميل.
ما يمكننا استنتاجه هنا، هو أنه يمكن لإدارة “خدمة العملاء / تجربة العملاء” أن تتطور من خلال اتباعها لمبادئ إدارة المشاريع، وبذلك، نضمن أن القسمين متقاربين ويعملان جنبًا إلى جنب، وهو ما يؤدي لتماسكٍ وتفاهم يؤثر إيجابيًا على المنجزات مع حفظ مصلحة العميل بشكل صحيح.
والفكرة هنا ليست تغييرًا أو إهمالاً أو تقليلاً للمبادئ الأساسية لإدارة “خدمة العملاء/ تجربة العميل” التي نعرفها اليوم، ولا تعني مطلقًا إضافة مزيد من المسؤوليات إلى خدمة العملاء، وإنما تطوير نهجها من خلال غرس مهاراتٍ وتقنيات إضافية تحافظ على حق العميل في الحصول على عملٍ متقن، وحق الوكالة في الازدهار والنمو بعد تسليمها العمل وقبض المستحقات -بين الطرفين- بسلاسة، ويحافظ أيضًا على حق الناس في الاتصال والتعامل المستدام مع العلامات التجارية التي تحسن من نوعية حياتهم وجودتها.
ولا يمكن إنكار الأهمية البالغة للعلاقة الجيدة في أي شراكة بين الوكالة والعميل. ولكن تمامًا مثل كل العلاقات الجيدة، ينبغي أن تبنى على الثقة والتفاهم والموثوقية، وهي نتائج العمل الدؤوب للوكالة.
ولأن إدارة “خدمة العملاء/ تجربة العملاء” في الوكالة هي نقطة الاتصال الأولى حين يتعلق الأمر بأي طلب أو موجز، وتنسيقه عادةً يبدأ من هناك، ينبغي إذًا أن تكون أولى المجالاتِ التي نسعى لتطويرها، وتذكروا دائمًا بأن جودة مخرجات الوكالة تكون جيدةً بقدر مدخلات العميل، لذا، من الضروري استقبال مدخلاته وترجمتها بشكلٍ ممتاز، وهي ليست بالمهمة السهلة نظرًا لحاجتها للكثير من الوقت والجهد والتركيز لتحقيق ذلك.
وهذا كما ذكرنا لا يتم عبر إضافة مزيدٍ من المسؤوليات والمهمات لكادر خدمة العملاء، بل عن طريق استقطاب المواهب والخبرات في إدارة المشاريع وجعلها تعمل جنبًا إلى جنب بفريق خدمة العملاء، لضمان طريقة عمل صحيحة تؤدي بطبيعة الحال إلى التركيز على العميل.
ختامًا، عليك إدراك أنه من الصعب أن تكون مبدعًا في كل الأمور، ولكن، من الممكن أن تكون متقنًا لأمر معين، وكما قال حكيمٌ ذات مرة: “التخصصات تبني الحضارات”
باسم أسعد